يتزايد الضغط على علماء المسلمين لتجديد وتطوير العلوم الإسلامية، بتزايد تجديد القيم الإسلامية. ولكنه من الضروري أن ، يلم العالم الإسلامي إلماما واضحا وقويا بالعلم الذي سيسعى لتجديده وتطويره. فغالبية من يعملون بالمهن الصحية ليست لديهم فكرة واضحة عن ماهية الطب الإسلامي. حتى الذين يدركون بعض الأشياء فهم يختلفون في معتقداتهم وته س يفهم للطب الإسلامي. وبالتالي فإننا نتساءل: ما هو الطب الإسلامي؟
هل هو الطب التقديم، الذي لا يزال يمارس في الشرق على أيدي من يطلق الناس عليهم لقب " حكيم "؟ هل هو الطب الطبيعي الذي يعتمد أكثر ما يعتمد على الأعشاب واتباع النظم الغذائية وتكييف أسلوب الحياة؟ هام هو الطب الذي يقتصر على التعاليم الدينية المتصلة بالصحة والتي نجدها في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة؟ هل هو شفاء المرضى عن طريق الإيمان والدعاء فحسب؟ هل هو الطب العادي وقد أطلقنا عليه عنوانا إسلاميا؟ أم هو اختراع جديد يسعى لشفاء جميع الأمراض؟ ليس الطب الإسلامي محصورا في أحدها، بل أن مقوماته تشمل كل هؤلاء مجتمعة، يزيد عليها الكثير.
وطبقا لتعاليم الإسلام فإن الله قد جعل لكل داء دواء. وهذا يعني انه يجب علينا الاستفادة من كل وسائل العلاج المتاحة،. وانه إذا استعصى علينا علاج مرض ما، فعلينا أن نسعى حتى نجد دواءه. ولذا لا ينحصر الطب الإسلامي في فرع واحد من فروع فن الشفاء، لأنه ليس بإمكانها ولا في وسعها التغلب على جميع أنواع المرض والعلاج الذي نحن بصدده هنا قد يتم عن طريق التمرينات الدينية أو الروحية أو التكيف الغذائي، أو المستحضرات الصيدلانية وسواء كانت مقوماتها من عناصر طبيعية أو عناصر مركبة، أو العمليات الجراحية، أو العلاج الإشعاعي، أو أي توليفة من هذه الوسائل.
وعلى الرغم من أن الطب الإسلامي قد يضم كل وسائل الطب الحديث، بالإضافة لمقومات أخرى عديدة، فإنه يختلف عن الطب الحديث في مطابقته للمعايير الستة التالية:-
أولا : انه طب رائد ومتميز على أشكال فنون الشفاء الأخرى.
ثانيا: انه طب يرتكز على الإيمان والأخلاقيات السماوية.
ثالثا: انه طب موجه هادف.
رابعا: انه طب شامل، يهتم بالجسد والروح، ويهتم بالفرد والمجتمع.
خامسا: انه طب كوني، يحاول الاستفادة من كل المصادر النافعة ويقدم خدماته للبشرية جمعاء. وأخيرا وليس آخر: انه طب علمي.
وإذا كان الطب الحديث ينادي بالتمسك بتلك المقاييس ألا وهي أن يكون متميزا، وأخلاقيا، وموجها، وشاملا، وكونيا، وعلميا، فإنه لم يحقق أيا منها. ويظهر افتقار الطب الحديث لهذه المقاييس لو أننا حاولنا تطيقها عليه. فإحصائيات الولايات المتحدة في السنوات العشر الأخيرة خير ممثل للطب الحديث وشاهدا عليه.
إن المعيار الأول هو التميز، ويمكننا تقييم إنجازات الطب الحديث على حسب مقدرته في مجال إنقاذ الأرواح واستئصال الأمراض أو السيطرة عليها، ورفع مستوى الصحة المعنوية والسعادة الشخصية للأفراد.
قد تعطى إحصائيات الطب الحديث انطباعا بأن متوسط عمر السكان قد زاد، وان الأرواح التي أنقذت قد زاد عددها. إن الرقم الواضح في إحصائيات الوفيات، هو وفيات الأطفال، حيث أنه يؤثر على مجموع الوفيات وتوسط أعمار السكان. تقول الإحصائيات إن وفيات الأطفال بلغت في عام 978 1 الرقم 0 1 0 22، وهذا يمثل تقدما بالنسبة للرقم الذي بلغته في عام 0 197 وهو 5 0 432. ولكن الإحصاءات الطية الحديثة تتجاهل ا تماما العدد الضخم1150776 طفلا توفوا في عام 978 1 خلال أشهرهم التسعة التي تسبق الولادة، والذين، تم تصنيفهم كحالات إجهاض وليس كوفيات. وهذا الرقم يمثل زيادة قدرها 0 0 6% عن الرقم المماثل في عام 1970، وهو 193491
فإذا ما أدخلنا في اعتبارنا عدد الأطفال المتوفين قبل الولادة فإن عدد وفيات الأطفال عام 1978 سيقفز إلى 786 172. 1 بالمقارنة مع الرقم البسيط 1 49 193 في عام 1970. أما الوفيات الناجمة عن الأسباب الرئيسة الأخرى، فان التقدم الذي أحرزه الطب الحديث في بعض الميادين يكاد يعاد ل التدهور الذي حدث في ميادين أخرى. فإذا ما أدخلنا في حسابنا كل الوفيات في جميع الميادين دون حساب حالات الإجهاض، فإن رقم الوفيات في عام 1970 وهو 818 9 80 1 قد انخفض إلى 5 39 776 1 في عام 1978، أي نسبة التحسن هي
8، ا% وهى نسبة ضئيلة جدا. فإذا ما أضفنا حالات الإجهاض، فالرقم الحقيقي الكامل لا وفيات في عام 1970 هو 03309 2.5، يزداد إلى 166 27 9. 2 في عام 978 1، أي أن نسبة التدهور هي 46 % أما فيما يختص باستئصال الأمراض أو السيطرة عليها فقد أحرز الطب الحديث بعض التقدم في ميادين قليلة. بينما أصابه التخلف في ميادين كنيرة.
لقد زادت، حالات الوقوع فيما يسمى بالأمراض الخطيرة من 2 1 5 65 1.5 في عام 0 97 1 إلى 2 5 9 1 1.28 في عام 1978، مما يمثل تدهورا في السيطرة على الأمراض يعادل20% خلال فترة ثماني سنوات. كذلك تنحدر قدرة الطب الحديث عام رفع مستوى الصحة المعنوية والسعادة الشخصية للأفراد، كما يظهر لنا ازدياد حالات الانتحار من 5 348 في عام 0 97 1 إلى27500 في 978 1، والارتفاع الرهيب في حالات الطلاق من 0 0 0 8 0 7 حالة في عام1970 1 إلى 0 0 0 28 1. 1 حالة في عام 978 1. ويتضح لنا من هذه الأرقام ومن الإنجازات الهزيلة أشتي حققها الطب الحديث، أن المعيار الأول! وهو التميز لا ينطبق عليه.
أما المعيار الثاني للطب الإسلامي فهو ارتباطه بالإيمان والأخلاقيات السماوية. إن كال الأدلة تبين لنا أن الطب الحديث لا يضع إيمانه بالله فوق أي سلطة أخرى، وأن أخلاقيات الطب الحديث ابعد ما تكون عن الشرائع السماوية. فالطب الحديث لا يمانع في إقامة علاقات بين الجنسين قبل الزواج وحتى أثناء الزواج وهو لا يرفض علاقات الشذوذ الجنسي ، وهو لا يرى ضررا في إدخال الكحول في معظم المستحضرات الطبية السائلة وكل هذا يعد انتهاكا لتعاليم الله مع أن الأمثلة التي أوردناها هي قليل من كثير . فإن ما يمثل السلطة العليا في الطب الحديث هو إجماع غالبية الأطباء ، غاضين النظر عن كلمة الله ، فيما يتداولون فيه آراء.
وأما ا المعيار الثالث فالطب الإسلامي فهو كونه موجها . فلو أمعنا النظر في الممارسات الطبية المعاصرة في الطب الحديث لوجدناه مضللا ومنحرفا . فالقاعدة العقائدية التي يرتكز عليها الطب الحديث؟ قاعدة مشوشة تفتقر إلى المنطق السليم. فإذا كان الطب الحديث يسعى لإنقاذ حياة أكبر عدد ممكن من البشر ، فإنه على استعداد لأن يدمر حياة الملايين الغفيرة من الأطفال الذين لم يولدوا بعد . وإذا كان الطب الحديث يهتم بأنشطة المخ الكهربائية كعلامة من علامات الحياة ولا يفرط في حياة الإنسان طالما كانت تلك النشطة قائمة بعملها ، فإنه على استعداد لأن يفرط في حياة الأعداد الضخمة من الأطفال الذين لم تتم ولادتهم على الرغم من أن أنشطة المخ الكهربائية لديهم قائمة بعملها . وإذا كان الطب الحديث يثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الكحول مهلك للصحة ، فإنه على استعداد لأن يضيف الكحول لمعظم المستحضرات الطبية حتى مع وجود بديل سهل المنال. وإذا كان الطب الحديث سريع الاستجابة لتعقيم الإناث صغار السن تعقيما يستمر على مدى الحياة ، فإنه يبذل أقصى الجهود لإعادة الخصوبة لإرحام نفس هؤلاء الإناث آلائي يكتشفن فيما بعد أن قرارهن الأول كان خاطئا وأنهن لا يرغبن في عقمهن . وإذا كان الطب الحديث يدعى بأنه يبذل أقصى جهده لمنع تطور المرض وانتشاره فإنه لا يقف حائلا (بل قد يشجع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ) أمام بعض أنماط السلوك الاجتماعي الجنسي التي ثبت أنها تؤدى لتطوير المرض وانتشاره. وإذا كان الطب الحديث يدعي بأنه أنبل المهن وأشرفها فإنه لا يترع عن انتهاك وتجاهل قواعد الأخلاقيات السماوية.
أما المعيار الرابع للطب الإسلامي فهو شموليته، ورعايته لكل من الجسد والروح، للفرد والمجتمع، فلو أمعنا الفكر في طبنا الحديث، لوجدنا مداخله تتصف بقصر النظر وعد م الملائمة، مؤدية إلى نتائج مشئومة في أغلب الأحيان. فإذا كان الطب الحديث يهتم بدرجة كبيرة بالنمو الجسماني للأطفال الصغار، فهو يتجاهل احتياجات نشأتهم الأخلاقية ونموهم الروحي وقد أدى هذا التصور العاجز إلى تحول عدد كبير من هؤلاء الأطفال إلى ضحايا لمفاسد المخدرات وانحراف الأحداث وهي مشكلة ذات أبعاد وبائية نحيفة. وإذا كان الطب الحديث قد رفع من شأن تعليم الجنس، فإنه قد تجاهل الحدود الأخلاقية السليمة التي كان من الواجب تضمينها في مثل هذه البرامج وقد أدى هذا إلى زيادة في عدد حالات الحمل غير المرغوب فيها وزيادة في عدد اللقطاء، وارتفاع مخيف في حالات الأمراض التناسلية. كما أدى إلى زيادة مشاكل الزواج وعدد العائلات التعيسة، وهذه النتائج هي النقيض التام لما كانت برامج تعليم الجنس تهدف إليه أصلا .وإذا كان الطب الحديث قد تقدم بنا كثيرا في معرفة المكونات الفيزيائية لإضطرابات العصارات الهضمية والأوعية القلبية، فإن معدل حدوث هذه الاضطرابات ما زال عاليا جدا، وذلك بسبب نقص الاهتمام والرعاية التي يجب أن نعطيها لاحتياجات المريض الروحية والاجتماعية والتي قد تلعب دورا هاما في علم شفاء الأمراض.